الخطبة الثانية
أما
بعد:
ومن
أشراط الساعة الكبرى والتي قد سبق
الإشارة إليها خروج يأجوج ومأجوج. ويأجوج
ومأجوج أمتان كثيرتا العدد لايحصيهم إلا
الله وهما من ذرية آدم عليه السلام رجال
أقوياء لاطاقة لأحد بقتالهم جاء في وصفهم
أنهم صغار العيون عراض الوجوه شهب الشعور.
وهم موجودون الآن، والذي يمنع من خروجهم
ذلك السد الذي يحبسهم، السد الذي أقامه
الملك الصالح ذو القرنين ليحجز بين يأجوج
ومأجوج، القوم المفسدون وبين الناس، ولا
يُعرف مكان هذا السد بالتحديد لكنه جهة
المشرق لقوله تعالى:
حتى إذا بلغ مطلع الشمس فإذا جاء الوقت المعلوم واقتربت الساعة
اندك السد وخرج هؤلاء بسرعة عظيمة وجمع
غفير كبير لايقف أمامهم أحد من البشر
فماجوا في الناس وعاثوا في الأرض فساداً،
وهذا علامةٌ على قرب النفخ في الصور
وخراب الدنيا وقيام الساعة. وقد اختار
الله أن يكون خروجهم بعد نزول عيسى عليه
الاسلام وقتله للدجال. قص الله علينا
خبرهم في سورة الكهف، وذلك أن ذا القرنين
في تطوافه في الأرض بلغ السدين فوجد من
دونهما قوماً لايكادون يفقهون قولا،
فاشتكوا له الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج
ومأجوج وطلبوا منه أن يقيم بينهم وبين
هؤلاء سداً يمنع عنهم فسادهم فاستجاب
لطلبهم
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ
السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا
قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ
قَوْلًا قَالُوا يَاذَا
الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى
أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ
سَدًّا قَالَ مَا
مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا
سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ
انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا
قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ
قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا
أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا
لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا
رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ
وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ
وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ
يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا .
أخبر
الله تعالى أن السد الذي أقامه ذو
القرنين مانعهم من الخروج
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ
وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا وأخبر أن ذلك مستمر إلى آخر الزمان عندما
يأتي وعد الله ويأذن لهم بالخروج وعند
ذلك يُدك السد ويخرجون على الناس
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ
دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وعند ذلك يخرجون أفواجاً أفواجاً كموج
البحر (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ). أيها
المسلمون: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
أن في زمنه فتح من السد مقدار حلقة صغيرة،
ففي البخاري عن زينب بنت جحش رضي الله
عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل
عليها يوماً فزعاً وهو يقول:
((لا
إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب،
فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه،
وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت
زينب: فقلت يا رسول الله، أنهلك وفينا
الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)).
ومنذ ذلك اليوم وهم يحفرون كل يوم
ليخرجوا فإذا انتهى اليوم وذهبوا رجعوا
في الغد أعاده الله تعالى كأشد ما كان،
وهكذا حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله
تعالى أن يخرجهم على الناس اندك السد
وخرجوا.
أيها
الأحبة: يبتلي الله جل وتعالى هذه الأمة
في آخر الزمان بهؤلاء البشر، وليسوا
كالبشر في فعالهم يأكلون الأخضر واليابس
يمر أوائلهم على بحيرة طبرية وهي بحيرة
كبيرة في فلسطين، ماؤها عذب، فيشربون
ماءها كلها، وعندما يصل أواخرهم للبحيرة
يقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ويغشون
الأرض كله فيعيثون فساداً فينحاز
المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم
تفادياً لشرهم ومعهم مواشيهم حتى إذا لم
يبق من الناس إلا أحد في حصن أو مدينة
يقول قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا
منهم بقي أهل السماء، قال: ثم يهز أحدهم
حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع
مخضبة دماً، للبلاء والفتنة، فيذهب
الناس إلى عيسى عليه السلام لعله يخلصهم
منهم فلا يملك إلا الدعاء فيدعو الله
تعالى فيبعث الله عليهم النغف في رقابهم،
وهو الدود الذي يكون في أنوف الإبل
والغنم فيهلكهم الله بهذا الدود موتة نفس
واحدة في الحال، فيصبحون موتى لايُسمع
لهم حس فيقول المسلمون: ألا رجل يشري نفسه
فيخرج لينظر ما فعل هذا العدو فيتجرد
واحداً منهم محتسباً فيخرج وهو جازم أنه
مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض
فينادي: يامعشر المسلمين: ألا أبشروا فإن
الله قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدنهم
وحصونهم ويسرّحون مواشيهم فما يكون لها
رعيٌ إلا لحوم هؤلاء الموتى، ولا يبقى في
الأرض شبر إلا وأصابه من نتنهم وجيفهم،
فيدعو عيسى عليه السلام مرة أخرى فيرسل
الله طيراً كأعناق البخت تحملهم وتقذف
بأجسامهم في البحر ثم يرسل الله مطراً
فيغسل الأرض ما أصابها منهم حتى يتركها
كالمرآة.
قال
الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله:
يأجوج ومأجوج من بني آدم ويخرجون في آخر
الزمان وهم في جهة الشرق، وكان الترك
منهم فتُركوا دون السد، وبقي يأجوج
ومأجوج وراء السد والأتراك كانوا خارج
السد. ويأجوج ومأجوج من الشعوب الشرقية –
الشرق الأقصى – وهم يخرجون في آخر الزمان
من الصين الشعبية وما حولها بعد خروج
الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة
والسلام لأنهم تُركوا هناك حين بنى ذو
القرنين السد وصاروا من ورائه من الداخل
وصار الأتراك والتتر من الخارج، والله جل
وعلا إذا شاء خروجهم على الناس خرجوا من
محلهم وانتشروا في الأرض وعثوا فيها
فساداً ثم يرسل الله عليهم نَغفاً في
رقابهم، فيموتون موتة نفس واحدة في الحال
كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ويتحصن منهم نبي الله
عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم
والمسلمون لأن خروجهم في وقت عيسى بعد
خروج الدجال. انتهى